القرار العربي

يبدأ تاريخ الاردن كدولة مستقلة منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى كذلك يرتبط الاردن بتاريخ البلدان العربية المجاورة خلال العصور السالفة وهو جزء لا يتجزأ من سوريا الطبيعية وهو يعتبر نفسه كما ينص الدستور جزءا من الامة العربية.
ولقد كان لهذا الجزء من العالم منذ بدء الحضارة الانسانية تاريخ حافل ذو سمات مميزة واهمية غير عادية.
لقد تنافس الكنعانيون والبلبليون والفرس واليونان والصليبين وشعوب اخرى غير هذه الشعوب على اخضاعه والسيطرة عليه في عهود مختلفة ثم قدر له ان يشهد دعوة انبياء العهد القديم وتعاليمهم.
وعند ظهور الاسلام كانت هذه البلاد المكان الذي انطلقت منه جيوش الفتح الاسلامي من شبه الجزيرة العربية الى الاردن وسوريا . فالتقى العرب بالروم في معارك ضارية كان اخرها معركة وادي اليرموك حيث هزم الروم هزيمة ساحقة وصارت البلاد جميعها تحت حكم العرب المسلمين.
ومن يومها طبعت بلاد الاردن بالطابع الاسلامي وازدهرت في عهد الامويين فاهملت القصور والقلاع وتهدمت مع مرور الوقت وعندما استقل الطواونيون بمصر الحقوا بلاد الاردن بهم كذلك فعل الاخشيديون والفاطميون وفي هذه الاحوال من الضعف والتفكك وجدوا الصليبيون البلاد عندما بدأوا غزواتهم ولكن الدولة التي انشأها الصليبيون لم تعش طويلا اذا ان ملكهم لم يدم سوى مائة عام.
ففي عام 1187 احرز السلطان صلاح الدين الايوبي انتصارا حاسما على جيوش الافرنج في معركة حطين وبعد فترة من الزمن تولى المماليك حكم البلاد محل الايوبين وظلوا يسيطرون على مقدرات الاردن وسوريا حتى عام 1516 . ففي ذلك العام بسط الاتراك العثمانيون سلطانهم على الجزيرة العربية وسوريا الطبيعية والعراق وشمالي افريقيا.
وهكذا وبعد ضم سوريا الى الدولة العثمانية اصبح الاردن جزءا من الامبراطورية العثمانية .
ولم تكن هناك مؤسسات برلمانية في الاردن فالمؤسسة البرلمانية الوحيدة كانت مجلس المبعوثان أي مجلس النواب العثماني االذي كان يجمع ممثلي الامبراطورية العثمانية وكان يمثل الاردن في هذا المجلس نائبان عن الطفيلة والكرك .
وبعد قيام الحرب العالمية الاولى واستيلاء جمعية الاتحاد والترقي المتعصبة على مقاليد الحكم في الدولة العثمانية ومحاولات رجالات الحكم الجديد تتريك العرب والضغط عليهم ووضع الحواجز امام مطالبهم العادلة في الحرية والاستقلال تنادى العرب للثورة على الاتراك وكان الشريف حسين بن علي امير الحجاز اكبر زعيم عربي في ذلك الوقت فطلب من الاتراك ان يستجيبوا لمطالب العرب .
ولكن زعماء الاتحاد والترقي اهملوا الاستجابة لمطالب الحسين واستمروا في خططهم واستبدادهم الذي بلغ ذروته مع نشوب الحرب العالمية الاولى عام 1914 .فاتصل الزعماء القوميون العرب بالشريف حسين بن علي وبايعوه بالزعامة طالبين اليه ان يعلن الثورة ويتولى قيادتهم ليحقق الحرية والاستقلال للبلاد العربية فأعلنت الثورة في الحجاز في حزيران 1916 واستولى العرب على جميع المواقع التركيةو فيما عدا المدينة المنورة .
وفي خريف عام 1918 قام العرب والانجليز بهجوم عام فهزموا الاتراك واخرجوهم ن جميع المناطق السورية .
كان العرب يثقون ثقة تامة بالحلفاء لكن الانجليز والفرنسيين كانوا يضعون الخطط لاقتسام البلاد فيما بينهم فعقدوا اتفاقية سايكس -بيكو التي نصت على تقسيم سوريا الطبيعية والعراق وتشكيل ادارة دولية في فلسطين . واصدرت بريطانيا وعد بلفور في 3 تشرين الثاني /نوفمبر 1917 وهو يقضي بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ثم وضعوا الخطط النهائية لفرض الانتداب على الاقطار العربية في مؤتمر سان ريمو .
بقي شرقي الاردن جزءا من الدولة السورية حتى شهر تموز/ يوليو 1920 عندما قضى الفرنسيون على استقلالها ولما كانت هذه المنطقة تعتبر من نصيب بريطانيا فأن القوات الفرنسية لم تتقدم لاحتلالها .
وفي آب م اغسطس 1920 اوفد المندوب السامي عددا من الموظفين البريطانيين وتألفت في البلاد ثلاث حكومات منفصلة واحدة في عجلون والثانية في عمان والسلط وثالثة في الكرك وفي شهر حزيران / يونيو 1920 ابرق الزعيمان سعيد خير وعودة ابو تايه الى الملك حسين في مكة لايفاد احد ابنائه الى الاردن ليتزعم حركة تحرير سوريا من الاحتلال الفرنسي.
وفي شهر تشرين الثاني / نوفمبر وصل الامير عبدالله الى معان فتوجه زعماء الاردن لاستقباله هناك وفي آذار / مارس 1921 تقدم الامير الى عمان واستقبل استقبالا حافلا مما اثار حفيظة بريطانيا .فوجه المستر تشرتشل دعوة الى الامير عبدالله ليتقابل معه في القدس فكان اللقاء وتفق الامير مع الوزير البريطاني على ان تؤسس في شرقي الاردن حكومة وطنية مستقلة.
ولقد كان وصول الامير عبدالله بن الحسين الى عمان في 2 / اذار عام 1921 نقطة تحول هامة في تاريخ الاردن ذلك ان وصول الامير الى عمان قد انقذ الاردن من الدخول ضمن سياسة الوطن القومي اليهودي الذي اعلن تحت وعد بلفور في تشرين الثاني 1917.
وكان في ذهن الامير منذ تأليف اول وزارة اردنية ان يختار الشعب ممثلين ينطقون باسمه في مجلس تشريعي الا ان ذلك لم يكن متيسرا ما لم تعترف بريطانيا باستقلال الاردن فسافر الامير الى لندن بتاريخ 2-10-1922 لاجراء محادثات مع بريطانيا بقصد الحصول على اعتراف بريطانيا باستقلال الامارة الاردنية.
وقد تكللت مفاوضات الامير بالنجاح اذا اعترفت بريطانيا العظمى بوجود حكومة مستقلة في شرقي الاردن برئاسة الامير عبدالله بن الحسين شريطة ان توافق عصبة الامم على ذلك وان تكون حكومة شرقي الاردن دستورية تمكن الحكومة البريطانية من القيام بتعهداتها الدولية فيما يتعلق بشؤون البلاد وذلك بواسطة اتفاق يعقد بين الطرفين.
هذا وقد تم اعلان ذلك في 25/ ايار 1923 واعتبر هذا اليوم عيدا رسميا للاستقلال بحضور الامير وحكومة المندوب السامي في فلسطين هربرت صموائيل والمعتمد البريطاني في عمان يخابر وزارة المستعمرات مباشرة وليس عن طريقالمندوب السامي في فلسطين كما كانت الحكومة الاردنية تخاطب الحكومة البريطانية دون اللجوء الى المندوب السامي او المعتمد البريطاني.
ولم تكن الحكومة الاردنية تعتبر نفسها عجلة ملحقة بعربة المندوب السامي في فلسطين بدليل رفض هذه الحكومة تسليم المتهمين المطلوبين من قبل سلطة الانتداب الفرنسية في حادثة الاعتداء على الجنرال غورو وعدم اعترافها باتفاقية تبدال المجرمين السياسين وكنتيجة لهذا الاعتراف باستقلال البلاد اراد الامير ان يحقق وجود مجلس يقوم مقام المجلس النيابي لسن القوانين والانظمة فقرر تأليف مجلس باسم مجلس الشورى في اول نيسان عام 1923 برئاسة قاضي القضاة وعضوية كل من مدير المحاسبة ومدعي الاستئناف العـام ومدير المعارف ومدير الواردات ومدير التسجيل ومدير البرق والبريد العام وقد استمر هذا المجلس في تأدية اعماله حتى اول نيسان 1927 عندما تقرر الغاؤه للبدء في انتخابات المجلس التشريعي الاول.